بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
فببالغ الحُزن والأسى، تلقى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا نبأ الاعتداء الآثم الذي أودى بحياة ثلّةٍ من الرّكّع السجود في بيتٍ من بيوت الله في كبك بكندا وأوقع عدداً من الجرحى . نسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتغمّد الموتى بواسع رحمته، وأن يُعظّم أجر ذويهم ويرزقهم الصبر والاحتساب، وأن يشفي الجرحى ويجمع لهم بين الأجر والعافية
وإزاء هذا الحادث الجلل، يودّ المجمع أن يُذكّر بعددٍ من الحقائق:
أولاها: أن الشرائع السماوية والقوانين الوضعية متّفقةٌ على أنّ دور العبادة – أياً كانت ديانة مرتاديها- ليست مكاناً للإرهاب والقتل، وأنّ من دخلها كان آمناً، وأنّ قتل الأبرياء العُزّل – داخل دور العبادة وخارجها- جريمةٌ نكراء، تستوجب الملاحقة القضائية، وتوقيع أقصى العوبات الجنائية، فضلا عما ينتظر أصحابها من عقوبات يوم القيامة.
ثانيها: أن كندا كانت ولا تزال مضرب المثل في التعدّدية العرقية والدينيّة، وفي التّسامح والاحترام المتبادل بين أطياف الشعب الكنديّ ومكوناته من مختلف الديانات والأعراق، وأن الحكومة الكنديّة هي من يرعى هذه التّعدديّة، ويُرحّب بالمهاجرين من أنحاء المعمورة ويقدّم ما في الوسع لتهيئة الحياة الكريمة لكلّ من يقيم على أراضيها. ولذلك لا نشكّ أن السلطات الكنديّة ستمكّن القضاء العادل من أخذ مجراه، وستوقّع أقصى العقوبات العادلة على المعتدين على أرواح الآمنين والمنتهكين لحُرمة دور العبادة
ثالثها: تزايدت جرائم الكراهية ضدّ الأقليّات العرقيّة والدّينية داخل الولايات المتّحدة بشكل مضطّردٍ أثناء وبعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة. ولعل من تجلياتها تصدير الكراهية والبغضاء إلى دور الجوار على النحو الذي افرز مثل هذه الجريمة النكراء،ولعل هذا المشهد يدعو الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إعادة النظر في خطابها الذي تبنته اثناء الحملة الانتخابية، وتتبنى خطابا أحرص على التسامح والاحترام المتبادل بين النّاس،
ورابعها: أنّ هذا الحادث الأليم يُثبتُ أن الإرهاب لا دين له ولا قوميّة ولا عِرق، فسفاح كندا كان من غير المسلمين وقد أودت جريمته بأبرياء من المسلمين داخل مسجدهم، وسبق في أمريكا حوادث قتلٍ لأبرياء من شتّى الديانات، وسفّاحوها ينتمون لدياناتٍ شتّى، فمن ألصق الإرهاب بالإسلام فقد أخطأ وعاند حقائق الواقع والتاريخ
نكرر مواساتنا لاسر الضحايا من القتلى والجرحى، وندعو الله أن يتغمد القتلى برحمته، وأن يمن على الجرحي الشفاء العاجل الذي لا يغدر سقما، ونسأل الله أن يعم السلام في العالم، وأن يهدي الزعماء والقادة كافة إلى إقامة العدل والحق في سياساتهم الداخلية والخارجية، وفي علاقاتهم المحلية والعالمية، ليعود السلام إلى الأرض الجريحة التي تئن تحت وطأة هذه المظالم! وينتشر فيها الأمن الذي تتطلع إليه الإنسانية المكروبة المعذبة! والذي يخدم الملل والحضارات والثقافات كافة.
والله من وراء القصد