بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد
فإنه في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين من الهجرة الموافق 22-25- من يونيو لعام ألفين وأربعة من الميلاد.
وفي العاصمة الدانمركية كوبنهاجن جرت فعاليات المؤتمر السنوي الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا وسط حضور قوي وفعال شارك فيه لفيف من السادة أعضاء المجمع وخبرائه. وأيضا وسط تمثيل رسمي من الحكومة الدانمركية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.
هذا وقد دارت مناقشات حول الموضوعات المقدمة من السادة أعضاء المجمع وخبرائه فيما يشغل المسلمين في الساحة الأمريكية بشكل خاص وفيما يخص المسلمين في الغرب بوجه عام.
وبعد مناقشات مطولة على مدى أربعة أيام متتالية خلص المجمع إلى إصدار القرارات الفقهية الآتية:
الموضوع الأول: التعامل مع غير المسلمين:
أكد المجمع على أن البر والقسط هو أساس التعامل مع المسالمين لأهل الإسلام من غير المسلمين، ومن مظاهر ذلك إجابة دعوتهم، وضيافتهم في بيوت المسلمين، وإدخالهم إلى مساجدهم تعريفا لهم بالإسلام، وتآلفا لقلوبهم عليه، ومن ذلك أيضا تبادل الهدايا معهم، وعيادة مرضاهم، والمشاركة في تشييع موتاهم إذا وجد المقتضي لذلك، على أن يجتنب ما يتعلق بتجهيز الميت ودفنه من طقوس دينية.
وترتفع درجة هذا الجواز في ذلك كله إلى الاستحباب إذا وجد المقتضى من جوار أو زمالة في العمل أو رفقه في السفر ونحو ذلك على أن تستصحب نية التألف والدعوة إلى الله في ذلك كله ما أمكن.
كما أجاز المجمع تهنئة غير المسلمين بالمناسبات الاجتماعية الخاصة بهم باعتباره داخلا في مفهوم البر والقسط الذي أمر به أهل الإسلام في التعامل معهم، ولكنه تحفظ على المشاركة في احتفالاتهم الدينية أو تهنئتهم بها لما يتضمنه ذلك من إقرار لعقائد ومناسك لا يدين بها أهل الإسلام.
الموضوع الثاني: نوازل الأسرة في المجتمع الأمريكي:
وقد دارت المناقشات حول نوازل الأسرة في المجتمع الأمريكي على عدة محاور.
المحور الأول: حول فقه الأقليات:
بين القرار أن هذا التعبير إن قصد به الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية لنوازل الأقليات الإسلامية من خلال القواعد الشرعية المقررة في باب الاجتهاد، وتفعيل الأصول الاجتهادية التي تتعلق بالأحوال الاستثنائية كقاعدة المصالح والمآلات والضرورات ونحوه، واعتبار خصوصية هذه الأقليات من حيث الاغتراب والالتزام القانوني بأنظمة المجتمعات التي يعيشون فيها، والتطلع إلى تبليغ الدعوة لأهلها، فإن ذلك حق، وينبغي أن يعان عليه من دعا إليه.
– أما إن قصد به تتبع الزلات، وتلمس شواذ الأقوال، والتلفيق بين آراء المجتهدين، بدعوى التجديد وتحقيق المصالح
فإن هذا مسلك باطل، يفضي في نهاية المطاف إلى فصل هذه الأقليات عن جذور أمتها في الشرق، وتأسيس فقه محدث لنوازلها، وأصول بدعية للاجتهاد فيها، وينبغي التحذير منه وبيان سوء مغبته، وبذل النصيحة اللازمة لأصحابه.
المحور الثاني: حول الزواج بالكتابية:
بين القرار أن الكتابية هي التي يثبت انتماؤها المجمل إلى اليهودية أو النصرانية، ووضح أن العقد على الكتابية العفيفة صحيح، وأن الزواج بها مشروع مع الكراهية، ولكنه محفوف بالمخاطر خاصة فيما يتعلق بمستقبل الناشئة، ثم وضح أن للزوجة الكتابية الحق في ممارسة شعائرها الدينية، وأن لها حضانة طفلها عند التفرق حتى يبلغ السابعة، ما لم يترتب على ذلك مضرة بالطفل في دينه.
المحور الثالث: حول إسلام المرأة وبقاء زوجها على غير الإسلام:
بين القرار أنه إذا أسلمت المرأة وبقى زوجها على غير الإسلام حرمت المعاشرة الزوجية بينهما على الفور، وتبقى العصمة موقوفة مدة العدة: فإن أسلم فهما على نكاحهما، وان بقي على دينه حتى انقضاء العدة فالزوجة مخيرة بين أن ترفع أمرها إلى القاضي ليفسخ نكاحها، أو أن تنتظر فيئة زوجها وتترقب إسلامه ليستأنفا نكاحهما متى فاء إلى الإسلام..
المحور الرابع: الزواج الصوري بغية الحصول على الأوراق الرسمية:
بين القرار أن الزواج الصوري هو الذي لا يقصد به أطرافه حقيقة الزواج الشرعي فلا يتقيد باركان ولا شروط، وإنما يتخذ مطية لتحقيق بعض المصالح فحسب، وهو على هذا النحو محرم شرعا لعدم توجه الإرادة إليه، ولخروجه بهذا العقد عن مقاصده الشرعية، ولما يتضمنه من الشروط المنافية لمقصوده.
وأما حكمه ظاهرا فإنه يتوقف على مدى ثبوت الصورية أمام القضاء: فإن ثبتت قضى ببطلانه، وإذا لم تثبت فإنه يحكم بصحته قضاء متى تحققت أركان الزواج وانتفت موانعه.
المحور الخامس: الطلاق الصوري تحقيقا لبعض المصالح الرسمية:
بين القرار أن الطلاق الصوري يؤخذ به صاحبه ما دان قد نطق به أو وكل غيره في إجرائه نيابة عنه سواء أراده أم لم يرده، لأن الكتابة هي الوسيلة الأساسية للإثبات والتوثيق في واقعنا المعاصر، أما في باب الديانة فلا يعتد به إلا مع النية في المختار من أقوال أهل العلم.
المحور السادس: مدى الاعتداد بالزواج المدني الذي يجريه المحاكم الأمريكية:
بين القرار أن الزواج المدني الذي تجريه المحاكم الأمريكية عقد تتخلف فيه بعض أركان الزواج وشروطه الأمر الذي تنتقض به مشروعيته، لكنه إذا وقع وكان قد تحقق له الإشهار وخلا من موانع الزواج ترتبت عليه الآثار المترتبة على عقد الزواج، وذلك لأجل ما فيه من الشبهة، ولكن يجب إعادته في الإطار الإسلامي مستكملا أركانه وشروطه الشرعية.
المحور السابع: مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم الأمريكية:
بين القرار انه إذا طلق الرجل زوجته طلاقا شرعيا فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه، بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة. وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية لإتمام الأمر من الناحية الشرعية، ولا وجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة لتوافر المراكز الإسلامية وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق.
المحور الثامن: مدى الاعتداد بالخلع أو التفريق للضرر الذي تجريه المراكز الإسلامية:
بين القرار أن للمراكز الإسلامية خارج ديار الإسلام صفة قضائية، فإذا كان للقائم على المركز الإسلامي صفة المحكم سواء باتفاق الطرفين، أو لاصطلاح الجالية المسلمة عليه فإنه يعتد بما يجريه من التفريق بسبب الضرر أو سوء العشرة ونحوه بعد استيفاء الإجراءات القانونية التي تقيه من الوقوع تحت طائلة القانون.
وأكد القرار على ضرورة أن يتبع المحكمون الخطوات الشرعية اللازمة في مثل هذه الحالات كالاستماع إلى طرفي الخصومة، وضرب أجل للغائب منهما، وتجنب التسرع في الحكم، وإقامة العدل بينهما ما أمكن.
المحور التاسع: حول تبني المهجرين من أطفال المسلمين خارج ديار الإسلام:
أكد القرار على ضرورة كفالة اللقطاء واليتامى، وبين ما فيها من القربة والثواب الجزيل، وفرق بين الكفالة المشروعة والتبني بمفهومه الجاهلي الذي ينسب فيه الولد إلى غير أبيه، فيبين أن التبني على هذا النحو من المحرمات القطعية في الشريعة الإسلامية، ولكنه إذا تعين سبيلا لاستنقاذ المهجرين من أبناء المسلمين خارج ديار الإسلام من أخطار تبني الجمعيات غير الإسلامية لهم فإنه يرخص في ذلك بشكل صوري، على أن تتخذ الإجراءات العملية التي تحصر هذه العلاقة في حدود الكفالة وتحول دون الاختلاط في الأنساب.
المحور العاشر: حول زواج الحبلى من الزنى، ونسبة ولد الزنى إلى الزاني:
وقد اختار المجمع جواز تزوج الزانية بمن زنا بها تحقيقا لمقصود الشارع من الستر وترغيبا لكليهما في التوبة، أما فيما يتعلق بنسبة الولد لمن زنى بأمه فقد اختار المجمع مبدئيا جواز إلحاق ولد الزنى بالزاني خارج بلاد الإسلام إذا ادعاه ولم تكن المرأة فراشا لأحد، وذلك درءا للمخاطر التي تتهدد الطفل إذا نشأ مجهول النسب في هذه المجتمعات، ثم أرجا البت النهائي في هذه المسألة إلى المؤتمر القادم لمزيد من البحث والنظر.
المحور الحادي عشر: حول مشاركة المرأة زوجها بخبرتها وعملها في أعماله وحقها في ثروته بناء على ذلك:
بين القرار أنه إذا شاركت الزوجة زوجها في استثماراته التجارية بخبرتها وعملها مشاركة تتجاوز حدود الخدمة المنزلية التي تكون بين الزوجين في العادة، كان لها في ثروته نصيب يرجع في تقديره إلى أهل الخبرة حسبما بذلت من جهد وما تحصل من ثروة.
المحور الثاني عشر: حول نازلة حظر الحجاب في المدارس العامة في فرنسا:
أكد القرار على أن الحجاب فريضة الله على المرأة المسلمة شأنه شأن سائر شعائر الإسلام، وأنه ليس مجرد رمز ديني كتعليق الصليب بالنسبة للنصراني أو تعليق المصحف بالنسبة للمسلم، ثم أعلن أن ما حدث في فرنسا من حظر الحجاب على المسلمات في المدارس والوظائف العامة ظلم صارخ تدينه الشرائع السماوية والدساتير الوضعية ووثائق حقوق الإنسان العالمية لما يتضمنه من عدوان على حرية ممارسة الشعائر الدينية.
وأن على المسلمين في فرنسا إعلان النكير على ذلك ومقاومته بالوسائل القانونية المتاحة، وأنه يتعين عليهم السعي المبكر لتوفير المدارس الإسلامية التي توفر المناخ الملائم لحسن تربية الناشئة. وأن على بقية الأمة إعانتهم على ذلك، وإعلان النكير العام على كل من يصادر على المسلمات هذا الحق فوق كل أرض وتحت كل سماء.
الموضوع الثالث: العمل القضائي خارج ديار الإسلام: ما يحل منه وما يحرم:
قد ناقش المجمع مدى شرعية اللجوء إلى القضاء الوضعي خارج ديار الإسلام، فقرر أن الأصل هو وجوب التحاكم إلى الشرع المطهر داخل ديار الإسلام وخارجها، وأكد على أن تحكيم الشريعة عند القدرة على ذلك أحد معاقد التفرقة بين الإيمان والنفاق.
ثم رخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلا لاستخلاص حق أو دفع مظلمة شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه.
ثم بين أن كل ما جاز فيه التحاكم بالأصالة جاز فيه التحاكم بالوكالة، وبالتالي فلا حرج في العمل بالمحاماة للمطالبة بحق أو دفع مظلمة، بشرط عدالة القضية التي يباشرها المحامي، وشرعية مطالبه التي يرفعها إلى القضاء.
ثم بين أنه لا حرج في دراسة القوانين الوضعية المخالفة للشريعة أو تولى تدريسها للتعرف على حقيقتها وفضل أحكام الشريعة عليها، أو للتوصل بدراستها إلى العمل بالمحاماة لنصرة المظلومين واستخلاص حقوقهم بشرط أن يكون عنده من العلم بالشريعة ما يمنعه من التعاون على الإثم والعدوان.
ثم بين أن الأصل هو حرمة تقلد القضاء في ظل ولاية لا تحكم بغير ما أنزل الله إلا إذا تعين ذلك سبيلا لدفع ضرر عظيم يتهدد جماعة المسلمين، شريطة العلم بأحكام الشريعة الإسلامية، والقضاء بأحكامها ما أمكن، واختيار أقرب تخصصات القضاء لأحكام الشريعة الإسلامية ما أمكن، مع كراهية القلب لتحكيم القانون الوضعي، وبقاء هذا الترخص في دائرة الضرورة والاستثناء.
ثم بين أنه يجوز أن يشارك المسلم كعضو في هيئة ( مُحَلِّفين ) بغرض إنصاف المظلومين من المسلمين وغيرهم، شريطة أن يكون حكمه بما يوافق الشرع.
الموضوع الرابع: عقود التأمين خارج ديار الإسلام.
فرق القرار بين التأمين التكافلي الذي يستند إلى التعاون والتكافل ويعد من باب التعاون على البر والتقوى، وهو تامين مشروع، والتأمين التجاري الذي تكتنفه شبهات شرعية عديدة كالغرر والربا وأكل أموال الناس بالباطل، وأكد القرار على تحريم هذا النوع.
وبين أنه مراعاة لخصوصية حال المسلمين المقيمين خارج ديار الإسلام في ضرورة التزامهم بقوانين الدولة التي يقيمون فيها يرى الترخص في التأمين الإجباري الملزم بمقتضى القوانين، وفيما تشتد إليه الحاجة من أنواع التأمين الأخرى كالتأمين الصحي مثلا، وبعض أنواع التأمين ضد المسؤولية.كما أوصى المجمع بضرورة المسارعة إلى إنشاء شركات التأمين الإسلامية التي تعمم النموذج الإسلامي في باب التأمين، وتجنب الأمة الوقوع في مثل هذا العقود الفاسدة، كما أوصى بضرورة أن يتجه المترخصون في هذه المرحلة الانتقالية قدر الإمكان إلى الشركات التي تطبق بعض أساليب التأمين التي تقترب من التأمين التكافلي الذي تباشره شركات التأمين الإسلامية.
الموضوع الخامس: شراء البيوت عن طريق التمويل الربوي.
أكد المجمع على أن فوائد البنوك هي الربا الحرام، وأن الاقتراض بالربا لا يترخص فيه في الأصل إلا عند الضرورات، سواء أكان ذلك لبناء المساكن أم لغيره، وأن الحاجة العامة قد تنزل منزلة الضرورة في إباحة المحظور متى توافرت شرائط تطبيقها، ومنها:
تحقق الحاجة بمفهومها الشرعي وهو دفع الضرار، والضعف الذي يصد عن التصرف والتقلب في أمور المعاش، ومنها انعدام البدائل المشروعة، وذلك بأن يعم الحرام، وتنحسم الطرق إلى الحلال، وإلا تعين بذل الجهد في كسب ما يحل، ومنها الاكتفاء بمقدار الحاجة، وتحريم ما يتعلق بالترفه والتنعم، ومنها انعدام القدرة على التحول إلى مواضع أخرى يتسنى فيها الحصول على البديل المشروع.
ثم بين بناء على ذلك أن الأصل في العاجز عن تملك مسكن بطريق مشروع لا ربا فيه ولا ريبة أن يقنع بالاستئجار، ففيه مندوحة عن الوقوع فيما حرمه الله ورسوله من الربا، وأنه إذا مثل الاستئجار حرجا بالغا ومشقة ظاهرة بالنسبة لبعض الناس، لاعتبارات تتعلق بعدد أفراد الأسرة، أو لغير ذلك جاز لهم الترخص في تملك مسكن بهذا الطريق في ضوء الضوابط السابقة، بعد الرجوع إلى أهل العلم لتحديد مقدار هذه الحاجة، ومدى توافر شرائطها الشرعية، وذلك للتحقق من مدى صلاحيتها بأن تنزل منزلة الضرورة في إباحة هذا المحظور.
الموضوعات المؤجلة
هذا وقد قرر المجمع تأجيل نظر الموضوعات التالية إلى المؤتمر القادم إن شاء الله وذلك نظرًا لقلة البحوث المقدمة في هذه الموضوعات:-
1- الجامع في أصول العمل الإسلامي.
2- العمل في المؤسسات الاقتصادية الربوية.
3- الإقامة خارج ديار الإسلام.
4- ثبوت نسب ولد الزنى
بيان المجمع حول أعمال العنف والإرهاب
ثم أصدر المجمع في النهاية بيانا حول ما يجري في العالم من أحداث العنف والإرهاب على الساحة الدولية، أكد فيه على أن الأصل في العلاقة بين بني البشر هو التعارف والتعايش، على أساس من البر والقسط، والتعاون المشترك على عمارة أرض الله، وإقامة العدل بين عباده، وأن الحوار والمجادلة بالحسنى هو آلية التواصل بينهم، وأن لكل إنسان حقه في حرية ضميره الديني، وأن يتحمل وحده مسئولية هذا الاختيار كما قال تعالى: [لا إكراه في الدين قد تَبيَن الرشد من الغيِ][البقرة آية: 256] كما أكد على ضرورة الاتفاق على تعريف دولي محدد للإرهاب حتى لا يتخذ ذريعة لتجريم من يدافع عن دينه وعرضه وأرضه ووطنه ضد الغاصبين والطامعين، وهو حق مشروع في الشرائع الإلهية، والقوانين الدولية. ثم تبنى ما جاء في بيان مكة حول تعريف الإرهاب بأنه العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان في دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنهـا، قال تعالى: [وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحبُّ الْمُفْسِدِين] [القصص آية: 77]
وأكد على استنكار إلصاق تهمة الإرهاب بالدين الإسلامي الحنيف – دين الرحمة والمحبة والسلام – ووصم معتنقيه بالتطرف والعنف، وبين أنه افتراء ظالم كما تشهد بذلك نصوص الإسلام وأحكام شريعته الحنيفية السمحة، وتاريخ المسلمين الصادق النزيه. قال تعالى مخاطباً نبيه محمداًُ صلى الله عليه وسلم: [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين] [الأنبياء آية: 107]
وبين أن الإرهاب ظاهرة عالمية لم تخل منها الملل والحضارات على مدار التاريخ، وأن لها أسبابا وبواعث كثيرة: منها الجهالة، والظلم الاجتماعي، وعدم التمتع بالخدمات الأساسية، وانتشار البطالة وشح فرص العمل، وتدهور الاقتصاد وتدني دخول الأفراد، وأن لوجودها في بعض المجتمعات الإسلامية كما ظهر ذلك حديثا أسبابا عديدة، على رأسها: التطرف في محاربة الدين وإقصاء شريعته من قبل العلمانيين واللادينيين، وتناوله بالتجريح والسخرية والاستهزاء، ومنها المعالجات الإعلامية الظالمة والمتحيزة لهذه الظاهرة وركوب موجتها للنيل من القيم والخلق والدين، وأكد على وجوب التكاتف للقضاء على هذه الأسباب حتى ينعم العالم بالأمن والأمان وتختفي من آفاقه هذه الظاهرة الأسيفة المروعة..
كما أدان الإرهاب الذي تمارسه بعض القوى العالمية، وتصادر به حق كثير من الشعوب في حياة حرة كريمة، وتستطيل به على خيراتها ومقدراتها، وتجتاح به أرضها وتستبيح به دماءها وأموالها وأعراضها بغيا وعدوانا بغير حق.
ثم أشار إلى الحكم الشرعي في الأعمال الإرهابية من تخريب وتهديد وتفجيرات فبين أنه من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال، وقد رتب الشارع الحكيم على مرتكبيها المباشرين لها والمشاركين فيها تخطيطاً ودعماً مالياً وإمداداً بالسلاح والعتاد، كل ذلك قد رتب الشارع عليه عقوبات رادعة كفيلة بدفع شرهم ودرء خطرهم، والاقتصاص العادل منهم، وردع من تسول له نفسه سلوك مسلكهم
ثم أشار إلى بعض وسائل الوقاية من التطرف وما ينجم عنه من أعمال الإرهاب والتخريب فذكر منها:
العمل الجاد على استفاضة العلم بالوسطية والاعتدال، واعتبار الخصوصيات الحضارية لمختلف الأمم والشعوب، والدعوة إلى الإيقاف الفوري للعنف المنظم الذي تمارسه بعض الدول والكيانات العنصرية في عالمنا المعاصر، والموضوعية في معالجة هذه الظاهرة من قبل الساسة والإعلاميين، وتجتب اتخاذها ذريعة للاستطالة على التدين والبطش بالمتدينين، والتربية الواعية الهادفة المخطط لها من أهل العلم والصلاح والخبرة، ووضع منهاج عملي واضح سهل ميسر لتحقيق ذلك.
ثم ختم بنصيحة توجه بها إلى المسلمين المقيمين في الغرب، فأوصاهم بالوفاء بمقتضيات عقود الأمان التي أنيطت بأعناقهم بمقتضى إقامتهم في هذه المجتمعات، وأكد على ضرورة مراعاة قوانين هذه المجتمعات، والوفاء بما أنيط بهم بمقتضاها من حقوق والتزامات بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
ثم توجه بكلمة شكر إلى الحكومة الدانمركية على ما وفرت من أسباب ومبادرات مشكورة لعقد هذا المؤتمر على أرضها سواء بتيسير استصدار تأشيرات الدخول أو إيفاد عدد من كبار المسئولين إلى الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر، أو تغطيتها في وسائل إعلامها المسموعة والمرئية.